شركة بريطانيا تشرع في إجراءات تحكيم دولي ضد حكومة أخنوش بعد "تعطيل" مشروعها لإنتاج "البوتاس" وتطالب بتعويض يصل إلى 2 مليار دولار

 شركة بريطانيا تشرع في إجراءات تحكيم دولي ضد حكومة أخنوش بعد "تعطيل" مشروعها لإنتاج "البوتاس" وتطالب بتعويض يصل إلى 2 مليار دولار
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأحد 4 ماي 2025 - 12:00

يبدو أن مشروع "منجم الخميسات" الذي وعدت به شركة Emmerson Plc البريطانية لتحويل المغرب إلى قطب إقليمي لإنتاج البوتاس، يوشك على الانفجار، ولكن ليس بفضل عمليات الاستخراج، بل بسبب أزمة قانونية واستثمارية قد تكلّف المملكة غرامة تصل إلى 2 مليار دولار، وتضرب في العمق سمعتها كوجهة آمنة للمستثمرين الأجانب.

ومنذ الإعلان عنه سنة 2018، قدّمت شركة Emmerson Plc البريطانية مشروعها في منطقة الخميسات على أنه أول مصنع للبوتاس في إفريقيا، بمواصفات عالمية وبطموحات اقتصادية واستراتيجية ضخمة، وقد حاز ترخيصا للتعدين في عام 2021، كما يُعد أحد أكبر الاستثمارات البريطانية في القطاع المنجمي بالمغرب، وكان يُفترض أن يتحول إلى رافعة اقتصادية وطنية من خلال تحويل منجم الخميسات إلى أحد أكبر مصادر إنتاج البوتاس في القارة الإفريقية.

وحسب دراسة الجدوى التي نشرتها الشركة في فبراير 2024، فإن المشروع يستهدف إنتاج 782 ألف طن سنويا من البوتاس على مدى 19 عاما، أي ما يُقارب 15 مليون طن على المدى الطويل، وهو ما يجعل منه أحد أضخم المشاريع المعدنية في شمال إفريقيا، فيما تُقدَّر كلفته الإجمالية بنحو 525 مليون دولار، وقد استطاعت الشركة بالفعل تأمين تمويل بقيمة 310 ملايين دولار من أربعة بنوك دولية.

لكن، رغم كل هذه الخطط والتمويلات، لم تتمكن الشركة البريطانية من إطلاق الأشغال أو بدء بناء المنشآت الصناعية كما كان مقرّرا، وذلك بسبب عدم حصولها على الموافقة البيئية النهائية من السلطات المغربية.

العقبة الأساسية التي واجهت المشروع كانت رفض اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار (CRUI) منح الموافقة على دراسة الأثر البيئي والاجتماعي (ESIA) التي قدمتها الشركة، بدعوى أن المشروع قد يُحدث تأثيرا سلبيا كبيرا على الموارد المائية في المنطقة، وكان الاستهلاك المرتفع للمياه – في منطقة تعاني أصلا من توترات مائية – في صلب هذا الرفض.

ورغم رفض الملف، عاودت الشركة تقديم نسخة محدثة من الدراسة البيئية خلال الربع الثاني من عام 2024، تتضمن تغييرات وتعديلات على التصميم السابق، محاولة منها الاستجابة لملاحظات اللجنة الجهوية، وقد صرّح المدير التنفيذي للشركة حينها بأنهم "تفاعلوا إيجابيا مع جميع التحفظات وأجروا تعديلات جوهرية في مكونات المشروع لتقليل الأثر البيئي وضمان الاستدامة".

وفي هذه المرحلة، لا تزال الدراسة الجديدة قيد التقييم من قبل المركز الجهوي للاستثمار، وسط غياب مؤشرات واضحة على قرب الحسم فيها، فيما ورغم هذا المسار، حاولت الشركة اللجوء إلى طعن إداري لدى والي الجهة، بهدف مراجعة القرار السلبي، لكن الطعن قُوبل بالرفض شكليا واعتُبر غير مقبول من الناحية القانونية، وهو ما زاد من حدة التوتر بين الشركة والسلطات المغربية، وأدى إلى تصعيد الموقف باتجاه التحكيم الدولي.

وهذا التعثر الإداري والبيئي، الذي اعتبرته Emmerson "غير مبرر ومخالف لاتفاقية الاستثمار مع الحكومة المغربية، يُهدد الآن بتحويل المشروع الطموح من فرصة اقتصادية استراتيجية إلى نقطة اشتباك قانوني دولي قد تترك تداعيات بالغة الخطورة على سمعة مناخ الاستثمار بالمغرب.

من جانبها، تؤكد الشركة أن عدم الحصول على التصريح البيئي رغم استيفاء الشروط الفنية والمالية، يُعد "عرقلة غير مبررة لمشروع حيوي"، مؤكدة أنها "لم تتلقّ توضيحات مفصلة حول أسباب الرفض، مما يفتح الباب أمام التأويل القانوني لتلكؤ السلطات، ويدفعها اليوم للمطالبة بالتعويض عبر التحكيم الدولي".

الجديد حاليا، هو التصعيد غير مسبوق، الذي أعلنت عنه Emmerson Plc في 2 ماي 2025، مؤكدة أنها شرعت في مسطرة التحكيم الدولي ضد المغرب أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار CIRDI، التابع للبنك الدولي.

وتتهم الشركة التي تنشط في قطاع التعدين، الحكومة المغربية بارتكاب ما وصفته بـ"مصادرة تعسفية وغير قانونية" لمشروعها الخاص باستخراج البوتاس، معتبرة أن الإجراءات التي اتخذت ضدها – بدءا من رفض الترخيص البيئي مرورا بإغلاق مسار الطعن الإداري – تشكل خرقا صريحا لمعاهدة الاستثمار الموقعة بين المملكة المتحدة والمغرب.

وأكدت الشركة أن الضرر المالي الناتج عن عرقلة المشروع يصل إلى 2.2 مليار دولار، وهو المبلغ الذي تطالب به كتعويض، فيما تقدر الغرامة المحتملة على المغرب، في حال صدور قرار ضدّه، بـ2 مليار دولار، أي ما يُعادل حوالي 20 مليار درهم، وهو ما يُمثل ضربة موجعة لخزينة الدولة، لأنه مبلغ ضخم يعادل تقريبا ما تنفقه الدولة المغربية سنويا في قطاعات اجتماعية حيوية كالتعليم أو الصحة، كما أنه قد يهز صورة البلاد كمركز لجذب الاستثمار الأجنبي.

ولم يكن قرار اللجوء إلى التحكيم وليد اللحظة، فقد سبق للشركة أن عبرت في أكثر من بيان رسمي عن نيتها "النظر في كل الخيارات القانونية والتنظيمية المتاحة للدفاع عن مصالحها"، عقب صدور قرار اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار (CRUI) القاضي برفض المشروع لأسباب بيئية، وعلى رأسها الاستهلاك الكبير للمياه، وعندما تم إعلان أن الطعن الذي قدمته الشركة إلى والي الجهة غير مقبول شكليا، بدأ العد التنازلي للمواجهة القانونية.

لتأمين تكاليف هذه المعركة القضائية التي قد تمتد لسنوات، تمكنت Emmerson من جمع 11.2 مليون دولار في يناير 2025، بالإضافة إلى 850 ألف جنيه إسترليني في دجنبر 2024، لتغطية نفقات الدعوى، وأتعاب مكتب المحاماة الدولي Boies Schiller Flexner (BSF)، الذي يتولى تمثيلها، وهو المكتب ذاته الذي خاض نزاعات مشابهة ضد حكومات أوروبية.

وتعتمد الشركة البريطانية على دعم مستثمرين سبق لهم تمويل تحكيم دولي ناجح ضد بولندا، وتقول إن هؤلاء المستثمرين "على دراية بالتحكيم الدولي، ويثقون في متانة ملف إيمرسون"، معتبرة أن المساطر التي واجهتها في المغرب لا تستند إلى مبررات بيئية حقيقية، بل تنطوي على ما تعتبره الشركة "تمييزًا أو مماطلة غير مبررة".

وهذا النزاع قد تكون له تداعيات خطيرة على مناخ الأعمال بالمغرب، خاصة في قطاعات حساسة مثل المعادن والطاقة والبيئة، حيث يُمكن لمستثمرين أجانب آخرين أن يعيدوا النظر في خططهم إذا ما اعتُبر أن البيئة القانونية لا توفر الحماية الكافية، أو أن السلطات الإدارية قادرة على تعطيل المشاريع رغم وجود اتفاقيات استثمار دولية موقعة.

ويطرح الملف أسئلة محرجة حول فعالية المساطر البيئية والاستثمارية، ومدى توازنها بين حماية الموارد الطبيعية والمياه من جهة، وضمان حرية الاستثمار من جهة أخرى، خاصة وأن المشروع يقوم على استخراج مادة حيوية في صناعة الأسمدة والنمو الزراعي، وتُعد بديلًا استراتيجيًا للفوسفات.

من جانبها، الحكومة المغربية لم تصدر إلى حدود كتابة هاته الأسطر، أي بيان رسمي بشأن التحكيم، كما أن "الصحيفة" حاولت من جانبها التواصل مع الوزارة الوصية، فضلا عن المكتب الجهوي للاستثمار لكنها وإلى حدود الساعة لم تتوصل بأي تفسير لكل ما حدث فيما الملف دخل مرحلة دقيقة.

وسيكون على الدولة في هاته الحالة وما إذا تطورت الاوضاع قانونيا، الدفاع عن موقفها أمام هيئة دولية، استنادا إلى المعايير البيئية، ومدى احترام الشركة البريطانية للقوانين الوطنية، في وقت تُطالب فيه Emmerson بتعويضات هائلة، ما يجعل هذا النزاع أخطر قضية استثمار دولي تواجهها المملكة في السنوات الأخيرة.

وإذا ما خسر المغرب هذا النزاع، فإن فاتورته لن تكون مالية فقط، بل ستكون لها كلفة سياسية وقانونية واقتصادية كبيرة، من شأنها أن تعيد النقاش حول إصلاح منظومة الاستثمار، وضرورة تسريع المساطر وتوضيح المعايير البيئية، حتى لا تُفتح شهية مزيد من النزاعات الدولية، في وقت تسعى فيه المملكة إلى جذب استثمارات جديدة بمليارات الدولارات في أفق 2030

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...